نبض سوريا - متابعة
أكد الكاتب والمحلل السياسي مالك الحافظ أن ما كشفته "اندبندنت عربية" بشأن ارتباط مستشار الأمن القومي البريطاني الحالي، جوناثان باول، بمنظمة "إنتر ميديت" التي دعمت سياسياً أحمد الشرع (المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني)، ليس تفصيلاً عرضياً، بل مؤشراً على بنية استراتيجية بريطانية أعمق في المشهد السوري.
وشدد الحافظ على أن باول، الذي يعتبر من أبرز مهندسي التحولات السياسية في مناطق النزاع، ليس مجرد شخصية أمنية، بل صاحب مشروع متكامل لإدارة الانتقالات السياسية في البيئات الهشة، كما فعل سابقاً في أيرلندا الشمالية وكولومبيا. تأسيسه لمنظمة "إنتر ميديت" بعد خروجه من الحكومة البريطانية لم يكن خطوة اعتباطية، بل امتداداً عملياً لنموذج بريطاني في إدارة النزاعات عبر أدوات مرنة وواجهات غير رسمية.
واعتبر الحافظ أن دعم "إنتر ميديت" للشرع يشير إلى تحضير دولي لصعوده كواجهة سياسية في المرحلة القادمة، في إطار انتقال مدروس من الجهادية إلى البراغماتية. وهذا الدعم لا يمكن فصله عن البنية الأمنية البريطانية التي باتت تعطي إشارات قوية على أنها جزء من ترتيبات ما بعد النظام في سوريا.
وأكد الحافظ أن وجود باول اليوم كمستشار للأمن القومي يضع بريطانيا في موقع "التأثير الخفي" في الملف السوري، وليس في موقع القيادة العلنية. فالمقاربة البريطانية تقوم على إعادة تأهيل الفاعلين المحليين ضمن توازنات دولية، دون إظهار تدخل مباشر.
واعتبر أن بريطانيا، رغم أنها ليست اللاعب الأكبر، تبقى من أكثر الدول الغربية اختراقاً للمشهد السوري الجديد، عبر خبرتها الطويلة في إدارة ملفات الانتقال في الدول الخارجة من النزاعات.
واختتم الحافظ تحليله بالتأكيد على أن السلطة الانتقالية في سوريا لم تتشكل فجأة، بل هي نتيجة هندسة سياسية وأمنية بريطانية وغربية بعيدة المدى، تهدف إلى خلق نموذج حكم جديد لا ينهار في الفوضى، ولا يُترك لهيمنة إقليمية واحدة، بل يتشكل تحت مظلة توازنات دقيقة تملك فيها لندن نفوذاً نوعياً وحصة متقدمة.