نبض سوريا - متابعة
في زمنٍ تُحاولُ فيه سلطات الأمر الواقع فرضَ قيودها باسم "الحشمة"، من قرارات منع الشورت إلى حملات مكافحة "التبرج" و"التدخين"، يبرز سؤالٌ جوهري: أين تبدأ حرية الفرد وتنتهي؟ هل تُختزل الحريات في قطعة قماش تُغطي الجسد، أم هي نمط حياة يُحترم فيه الخيار الشخصي دون إيذاء الآخرين؟
أيام الحجر الصحي خلال جائحة كورونا لا تزال محفورةً في الذاكرة، حين اشتكى مواطنٌ من قيود "الحبس المنزلي" التي حرمته من لقاء أصدقائه، لتردَّ إحداهن بمرارة: "هذا الحَجْر بالنسبة لنا كنساء ليس سوى جزء من روتيننا اليومي".
اليوم، يعيش الرجال تجربةً مشابهة تحت مظلة قيودٍ جديدة، حيث بات ارتداء الشورت في الأماكن العامة "جريمة" تستوجب العقاب، كما حدث مع الشاب "فراس" في حلب، الذي أجبرته دورية أمنية على العودة إلى منزله لاستبدال شورته الرياضية ببنطال.
لطالما كان المجتمع السوري يتعايش مع تناقضاتٍ بصرية صارخة: رجلٌ يرتدي شورتاً قصيراً بجانب امرأةٍ منقبة دون أن يرفّ له جفن، لكنّ المشهد يتحوّل إلى فضيحة أخلاقية حين ترتدي المرأة ملابساً مماثلة. هنا، تتحوّل النظرات الجارحة والتعليقات البذيئة إلى أدوات رقابةٍ يومية، وكأنّ جسد الأنثى ملكية جماعية يحق للجميع تقييمها.
قبل أشهر، لم تكن هذه القيود تشكّل عائقاً، بل كانت الحرية الفردية تُمارس ضمن حدود الاحترام المتبادل. أما اليوم، وفي ظلّ سيطرة هيئات متشددة على مفاصل الحياة اليومية، أصبح الخروج من المنزل مغامرةً محفوفةً بالخوف. حتى المهمات البسيطة، كتوصيل طفلٍ إلى المدرسة، تتحوّل إلى اختبارٍ للصبر. فما إن ترتدي إحداهن شورتاً لتختصر وقتها حتى تواجه وابلاً من التعليقات الساخرة، كتلك التي وجّهها شابٌ عابرٌ لقصة "شورتها" بنبرة استعلاء.
هكذا تتحوّل تفاصيل الحياة الصغيرة إلى ساحة معركةٍ وجودية، حيث تُختبر حدود الحرية، وتُكشف ازدواجية المعايير التي تتحكّم بأجسادنا. فما يُسمح به لـ"المواطن" يُمنع على "المواطنة"، وما كان عادياً بالأمس يصبح اليوم "تهديداً للأخلاق".
في هذه المعادلة، تُختزل إنسانيتنا في قطعة قماش، ويُفرغ الوطن من معناه ليصبح سجناً كبيراً تُسيطر عليه ثقافةُ الخوف والوصاية.