نبض سوريا - متابعة
عاد الجدل حول ملفات الفساد إلى الواجهة مع الكشف عن عقد استثماري ضخم تَمَّ توقيعه بين السلطات السورية وشركة تحمل اسم "Fidi Contracting"، التي حصلت على حق استثمار أكثر من مليون متر مربع في المنطقة الحرة بحسياء وقسم كبير من المنطقة الصناعية في عدرا، ضمن صفقة يلفها الغموض وتثير شكوكًا حول هوية المستثمرين الحقيقيين وقيمة العقد المالي، خاصة مع غياب أي معلومات علنية تُثبت وجود هذه الشركة أو سجلها القانوني.
تكشف التحقيقات الأولية أن الشركة المذكورة غير مسجلة في أي من القواعد البيانات العالمية المعروفة مثل "بلومبرغ" أو "رويترز" أو "كرونشبيس"، بل وحتى في السجلات الصينية الرسمية، ما يفتح الباب أمام فرضيات عدة، أبرزها أن تكون الشركة واجهة وهمية لمستثمرين مختبئين، أو كيانًا حديث التأسيس مُنشأً خصيصًا لإبرام الصفقة، أو مرتبطًا بشبكات مشبوهة تقف خلفها جهات سياسية أو اقتصادية تسعى للالتفاف على العقوبات الدولية.
من اللافت أيضًا عدم وجود أي أثر للشركة على منصات التواصل المهني مثل "لينكدإن"، أو مواقع إلكترونية رسمية، فضلًا عن غياب أي إعلان صيني رسمي يدعم الادعاء بكونها شركة صينية، وهو ما يعزز فرضية التضليل الإعلامي لإخفاء الهوية الحقيقية للمستثمرين، الذين قد يكونون من دول مثل إيران أو روسيا أو الإمارات، أو حتى كيانات تستخدم سلاسل استثمار معقدة لتمويه مصادر التمويل.
وبعد بحث موسع في قواعد البيانات الصينية، مثل النظام الوطني للإفصاح عن معلومات الائتمان التجاري ومنصة "تيان يان تشا"، لم يُعثر على أي شركة تحمل اسم "Fidi Contracting"، ما يشير إلى احتمال أن تكون الشركة مسجلة تحت اسم آخر، أو أنها ليست صينية الأصل أساسًا. أما في هونغ كونغ وتايوان، فالأمر لا يختلف؛ إذ يُستخدم مصطلح "FIDI" في تايوان للإشارة إلى المستثمر الفردي الأجنبي، دون أي صلة بالمقاولات.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو مدة العقد التي تصل إلى 20 عامًا، مع عدم الإفصاح عن القيمة المالية أو الآليات الرقابية المتبعة، مما يغذي مخاوف من أن تكون الصفقة جزءًا من مخططات لتبييض الأموال أو تهريبها عبر استثمارات وهمية، خاصة في ظل تاريخ بعض الشركات الوهمية التي سبق أن استغلّت الفراغ القانوني والأوضاع الاقتصادية الهشة في البلاد.
وسط هذا الغموض، تتعالى أصوات محلية ودولية تطالب بكشف حقيقة المستثمرين والضمانات المقدمة، في وقت تبدو فيه الشكوك حول الفساد والتعتيم أكثر ترجيحًا من الثقة بشفافية الصفقة التي قد تُضاف إلى سلسلة الاتفاقيات المثيرة للجدل.