نبض سوريا - وائل المولى
في أقل من أسبوع، تحوّلت المنطقة من حافة الاشتعال إلى قلب الانفجار، بعدما ألقت قاذفات أمريكية قنابلها على مفاعلات إيرانية، وردّت طهران بصواريخٍ على تل أبيب، في تصعيدٍ غير مسبوق يُنذر بتحولات استراتيجية قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط.
حرب تحت الرماد: الضربة النووية التي لم تُنهِ الصراع
دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة مباشرة، بضربة وصفتها مصادر أمريكية بـ”التكتيكية”، لكن أثرها النفسي والسياسي تجاوز ذلك. ترامب، وهو من أعلن نهاية المهمة بعد الضربة، يبدو كمن يلوّح بالقوة دون أن يخطو نحو حرب مفتوحة. إسرائيل، بدورها، راهنت على هزة تسقط النظام الإيراني أو تدفعه إلى الاستسلام، لكنها وجدت نفسها أمام نظام أكثر صلابة ودهاء.
إيران: بين ثأر مؤجل ودبلوماسية الصواريخ
الجمهورية الإسلامية لم تنكسر. بل استعادت توازنها بسرعة، مشغّلةً كامل طيف “محور المقاومة”، من اليمن إلى لبنان. في الكواليس ، تدير طهران شبكة معقدة من العلاقات، تمتد من بيونغ يانغ إلى كاراكاس، إلى حلفاء منتشرين حول العالم وتفتح قنوات اقتصادية وعسكرية لكسر الحصار. أما تهديدها بضرب مفاعل ديمونا، فلم يكن مجرد استعراض. إنه سلاح نفسي يُبقي إسرائيل تحت الضغط، ويمنح طهران قدرة تفاوضية لا يستهان بها.
أوروبا القلقة… وواشنطن الطامعة
في العواصم الأوروبية، الذعر واضح. ربع واردات الغاز مهدد، والملاحة في هرمز على كف عفريت. الترويكا الأوروبية (باريس، برلين، لندن) تدفع بقوة نحو وقف إطلاق نار فوري، مع اتفاق مرحلي يوازن بين تقليص التخصيب الإيراني ورفع تدريجي للعقوبات.
في المقابل، يراهن ترامب على “صفقة رابحة”، تمكّنه من قطف ثمار إعادة الإعمار واحتكار كعكة الاستثمار في إيران ما بعد الحرب، حتى لو كان ذلك على حساب نفوذ الحلفاء الأوروبيين.
أربعة سيناريوهات على الطاولة
المشهد الحالي مفتوح على أربعة سيناريوهات، تتراوح بين التصعيد المديد والانفجار الشامل، وبين التسوية السياسية والرهان الخطر على تغيير النظام:
1. حرب استنزاف ذكية: قصف منخفض الوتيرة ولكن دائم، يرهق إسرائيل ويمنح إيران وقتاً لالتقاط الأنفاس وبناء أوراق قوة جديدة.
2. ضربة كاسرة للتوازن: استهداف ديمونا مباشرة، بما قد يجرّ المنطقة إلى كارثة بيئية ونووية، تفرض بعدها مفاوضات اضطرارية.
3.اتفاق رفع العقوبات: تسوية سريعة تجمّد التخصيب الإيراني مقابل إفراج مالي واسع، يُكرّس نفوذ طهران الإقليمي.
4. رهان إسقاط النظام: ضغط اقتصادي وحرب سيبرانية وتحريك الشارع الإيراني، لكنه سيناريو عالي المخاطر، ينذر بالفوضى الشاملة إذا تفككت مؤسسات الدولة.
ما بعد الانفجار: من يكتب النهاية؟
الخاتمة لم تُكتب بعد. لكنّ المؤشرات تُظهر أن كلفة إسقاط النظام الإيراني أكبر بكثير من كلفة دمجه في النظام الإقليمي. طهران تفهم اللعبة جيداً، وتعلم أن بقاءها على خارطة القرار العالمي يمرّ من فوق مفاعل ديمونا لا من تحته.
أما أوروبا، فهي تحبس أنفاسها خشية “ليلة هرمز الطويلة”، فيما ترامب يزن المكاسب: هل يكتفي بصورة الرئيس القوي الذي قصف مفاعلات إيران؟ أم يطمع في تريليونات الدولارات القادمة من إعمار ما دمرته الحرب؟
ومضة أخيرة:
ليس الدخان فوق ديمونا وحده من يقرّر مصير هذه الحرب. بل الحسابات الباردة في واشنطن وطهران، وفي أسواق المال وصفقات الطاقة، هي من سترسم خريطة التوازن الجديد في الشرق الأوسط… والعالم