​لقاء طهران القطري: توترات مُعلنة وتصالح مُضمر تحت ضغوط التحالفات الإقليمية

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - قراءة تحليلة 

اجتمع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، مع القيادة الإيرانية العُليا في طهران، في زيارة حملت بين طيّاتها إشارات متناقضة؛ فبينما غلّف الخطاب الرسمي التفاؤل بالتعاون، كشفت تفاصيل البيان الصادر عن مكتب المرشد الإيراني عن توتراتٍ عميقة تكاد تُعلن عن أزمة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية. فخلافًا للعُرف الدبلوماسي الإيراني الذي يُفضّل إطلاق تصريحاتٍ مُعتدلة إثر اللقاءات الرسمية، حمل البيان نبرةً حادّة تُلمّح إلى خلافاتٍ جذرية، لعل أبرزها الإشارة الصريحة إلى الأموال الإيرانية المُحجوزة في الدوحة، والتي نُقلت إليها من كوريا الجنوبية، ما يُشير إلى وجود شروخٍ اقتصادية وسياسية تعصف بالعلاقات بين البلدين.  


من اللافت أن هذه النبرة النادرة في بيانات مكتب المرشد لم تُسمع سوى ثلاث مرات خلال عقدٍ من الزمن، كانت إحداها مع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، والأخرى مع الرئيس السوري الأسبق بشار الأسد، ما يضع لقاء الأمير القطري في سياقٍ استثنائي يعكس حجم الخلافات المُتفاقمة. وعلى الرغم من التأكيدات المتبادلة حول "القرارات الجيدة" التي اتُخذت لتعزيز العلاقات، كما صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلا أن التصريحات الرسمية لم تُخفِ هواجس قطر المُتعلّقة بمحاولة طهران الاندماج في المحور السعودي، وهو ما يفسِّر حرص الدوحة على إعادة ترتيب أوراقها مع طهران قبل فوات الأوان.  


شكّلت الملفات الإقليمية، وعلى رأسها غزة وسوريا ولبنان، العمود الفقري للمشاورات، حيث سعت قطر إلى توظيف دورها الوسيط في ملف غزة كجسرٍ لاحتواء التوترات، فيما أعرب الجانب الإيراني عن تقديره للجهود القطرية في مفاوضات وقف إطلاق النار. إلا أن الحديث عن "وحدة الأراضي السورية" من جانب بزشكيان، وتركيزه على "حق الشعب السوري في تقرير المصير"، يُشيران إلى محاولة طهران فرض روايتها حول الملف السوري، في ظلّ التنافس الخفي مع الدور القطري والدول الخليجية الأخرى.  


من جهةٍ أخرى، حاول الأمير تميم تلميع الجانب الاقتصادي كمدخلٍ لتحسين العلاقات، عبر الإشارة إلى أهمية تعزيز التبادل التجاري وتنفيذ قرارات اللجنة الاقتصادية المشتركة، بينما لم يغفل عن الربط بين الاستقرار الإقليمي وتعزيز الحوار مع طهران، خاصةً في ظلّ التوجّه الإيراني الجديد نحو دول مجلس التعاون الخليجي. لكنّ هذه الخطابات المتفائلة تصطدم بواقع التعقيدات الجيوسياسية، حيث تطفو على السطح تكهّناتٌ حول احتمال حمل الأمير القطري رسالةً أمريكية إلى طهران، أو مناقشة مستجدات الملف النووي في ظلّ احتمالية عودة الحوار مع إدارة ترامب.  


لا يُمكن فصل هذه الزيارة عن السياق الأوسع للمنطقة المتقلبة، حيث تتحرّك قطر بخيوطٍ دقيقة بين تحالفاتٍ متصارعة، ساعيةً إلى الحفاظ على دورها كوسيطٍ لا غنى عنه، في وقتٍ تُحاول إيران إعادة ترتيب تحالفاتها تحت ضغوط العقوبات والعُزلة الدولية. وهكذا، رغم التصريحات المتفائلة، يبقى السؤال معلّقًا: هل تكفي الخطابات الدبلوماسية لسدّ الفجوة بين رؤيتين متنافستين في قلب شرق أوسطٍ متأجج؟