"ثلاثون يومًا نحو الاستبداد: تشريح صعود الدكتاتورية"

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - مقال

كتب المعارض هيثم المناع:

في ليلةٍ مُظلمةٍ بلا ضوء قمر، عيَّن "الجولاني" (الذي لم يكشف لنا عن هوية ابنه محمد) تسعةً وأربعين مقاتلاً سلفيًا جهاديًّا في أرفع المناصب العسكرية بالجيش السوري. تلا ذلك انعقاد "مؤتمر النصر"، الذي اتخذ من المقولة اللاتينية القديمة"Vae victis"(ويل للمهزومين) شعارًا عمليًّا، ومن مبدأ "مَن يحتلُّ يتحكَّم"، أُغلِقت مؤسسات الجيش والأمن والشرطة، وحُلّت هيئات التفاوض والأحزاب وقادة النقابات، بينما تُوِّج أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية، مُمنحًا صلاحياتٍ مطلقةً لوضع دستورٍ جديد، وإعلان مبادئ دستورية، وتشكيل حكومة انتقالية! بل تجاوز الأمر ذلك إلى تفويضه بالإشراف على "عدالةٍ انتقائية"، مُحرَّمٌ عليها مناقشة جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبها مَن أصبح لاحقًا مديرًا للمخابرات ووزيرًا للدفاع والعدالة!


حتى أولئك الذين مهدوا الطريق لصعود هيئة تحرير الشام (وأصبحت أسماؤهم معلومةً للجميع)، عجزوا عن استيعاب منهج الميليشيات في "بناء الدولة"، فانتهجوا تكتيك الهمس بنصائحَ شكلية، كمسرحية الحوارات والزيارات التصحيحية، التي تُذكِّر بكتب "تعلُّم الإنجليزية في خمسة أيام" المُنتشرة على أرصفة الشوارع. لكن كيف لمدرسة الطغاة أن تدَّعي إصلاح النظام دون أن تُعمي البصيرة؟


أسرع "الرئيس المؤقت" لاحتواء الموقف، فدعا إلى "مؤتمر حوار وطني" مُستعجل، كلَّف به مَن لا يعرفون سوى لغة الخنوع، وبعضَ المُلوِّثين بأيديولوجية السلطة. وكانت النتيجة أن تحوَّلت قرارات "مؤتمر النصر العسكري" خلال ساعاتٍ إلى "مقررات شعبية" صادرة عن ست مئة شخصية وهمية، منحت الزعيم الملهم كافةَ الصلاحيات التشريعية والدستورية، ليحكم عبر حكومةٍ موسعةٍ على طريقة حافظ الأسد، الذي قال ساخرًا لرئيس وزرائه ذات يوم: "الوزراء ضروريون لأن الكرسي الذي أجلس عليه يحتاج أربعة أرجل"!


لخَّص الشاعر جورج حنين أزمة الطغاة مع السياسة بقوله: "يرى المستبدُّ السياسةَ عربدةً بلا ضوابط، ويعتبرها الطاغية أداةً لإعادة توزيع الشر، أما الدكتاتور فيحولها إلى كيانٍ عمليٍ لعالمٍ لا يستحق البقاء". ولم تقدم التجربة الإنسانية نموذجًا واحدًا نجحت فيه أيديولوجيا محمَّلة بادعاء التفوق المذهبي أو العسكري (سواءً كانت علمانيةً أو دينية) في تحرير المجتمع من الاستبداد دون أن ترتدي هي نفسها ثوبَ الشمولية، مُغلقةً الباب أمام أي حياةٍ سياسيةٍ حقيقية.


اليوم، يبدو جليًّا أن مواجهة التسلط تتطلب من الأحرار أن يظلوا في حالة تأهبٍ دائم، مستذكرين تحذيرَ المفكر كلاوس أرندت بأن المواطن الحقيقي يجب أن يكون:  

"متمردًا في نفس الوقت الذي يكون فيه منخرطًا في بناء المجتمع. فالحريات لا تُدافع عنها بالصمت، بل باليقظة التي تحوِّل الكلمات إلى دروعٍ ضد خطاب الكراهية والإقصاء".