نبض سوريا - خاص
يأتي شهر رمضان هذا العام على السوريين وسط تدهور معيشي غير مسبوق، حيث تفاقمت أعباء الأسعار وانهارت قيمة الحوالات المالية القادمة من الخارج، ما دفع بالكثيرين إلى تبني استراتيجيات تقشفية قاسية، في ظل غياب حلول حكومية تُلامس واقع الأسر الفقيرة.
الحوالات تنهار.. والأسعار تبتلع القوت اليومي
باتت الحوالات المالية، التي تُشكل شريان حياة لملايين السوريين، عاجزة عن تغطية الحد الأدنى من الاحتياجات. فالحوالة التي كانت تكفي سابقاً لشهر كامل، لم تعد تُسدّد اليوم سوى فواتير الإيجار وشراء جزءٍ بسيط من المواد الأساسية، بعد أن خسرت قيمتها أكثر من 30% بسبب تحكّم شركات التحويل بأسعار الصرف. فمبلغ 300 يورو، الذي كان يُعادل نحو 4.7 مليون ليرة سورية قبل أشهر، تحوّل اليوم إلى 3 ملايين ليرة فقط، وفقاً لسوق الصرف الموازي.
قصص معاناة.. من الإيجار إلى "زيت وزعتر"
تعيش أسرة سورية مكونة من زوجين مسنين على حوالة شهرية من ابنهما المغترب، اضطرت مؤخراً لدفع 80% منها لإيجار المنزل، بينما يُذكّر الباقي بضرورة "التقنين" في شراء الطعام والدواء، خاصة مع ارتفاع أسعار الغاز والمواصلات. تقول إحدى السيدات: «وضعنا أفضل من كثيرين، لكنّ الصيام هذا العام تحوّل إلى اختبار صعب».
في الريف الساحلي، تكتفي ممرضة حكومية لم تتقاضَ راتبها منذ أشهر، بإفطارٍ يعتمد على شوربة العدس والخضروات البرية، وسحورٍ من الزيت والزعتر، فيما يعمل زوجها بشكل متقطع في الزراعة. تقول: «نشكر النعمة، لكننا لم نعد نقوى على أبسط متطلبات الشهر».
العزلة الإجبارية.. المواصلات تُفكك الروابط الاجتماعية
لم تتمكن إمرأة في منتصف العمر من زيارة والديها في قرية مجاورة، بسبب ارتفاع كلفة النقل التي تجاوزت 90 ألف ليرة لأسرة مكونة من أربعة أفراد، ناهيك عن تكاليف الهدايا الرمزية. تُعلق: «رمضان فقد بهجته، حتى لقاء الأهل صار رفاهية».
انخفاض الأسعار دون انعكاسٍ على القوة الشرائية
رغم انخفاض أسعار بعض المواد مقارنة بالعام الماضي، مثل اللحوم (90-130 ألف ليرة للكيلو) والخضروات (2500-5000 ليرة)، إلا أن الأسر الفقيرة ما زالت عاجزة عن الشراء. فالكيلو الواحد من الأرز (13 ألف ليرة) أو السكر (8 آلاف ليرة) يُهدّد ميزانية الشهر بالكامل، ما يدفع كثيرين إلى التذمر من مفارقة: «البضاعة متوفرة، لكن النقود تتبخر!».
خلف الأرقْم.. إنسانٌ يُحاول الصمود
تحت الأرقام القاسية لانهيار الليرة وارتفاع الأسعار، تُختزل معاناة آلاف الأسر السورية التي تحاول الحفاظ على كرامتها في شهر الصوم، بينما تتراجع طقوسه الاجتماعية تدريجياً، ليصبح رمضان هذا العام شاهداُ على صمودٍ استثنائي في زمن الانهيار.