نبض سوريا -خاص
في مشهد يعكس تراجيديا مستمرة، تتصارع الأجيال السورية على لقب "الجيل الأكثر بؤسًا"، ليس بدافع الفخر، بل كشاهدٍ على واقعٍ تتفاقم جراحه مع كل جيل. فبينما يحكي الآباء عن زمنٍ عانوا فيه من شحّ الإمكانيات، يرد الأبناء بحكاياتٍ عن زمنٍ دمَّرته الحرب، حتى باتت المعاناة "إرثًا" يتوارثونه، لا جسرًا للماضي، بل مرآةً لمستقبلٍ مُعتم.
منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، حُسم السباق لصالح الأجيال الشابة، خصوصًا مَن وُلدوا في تسعينيات القرن الماضي وما بعدها، حيث تحوَّلت حياتهم إلى سلسلة من الخسائر، فجيلٌ فقد شبابه تحت القصف، وآخر ضاعت مراهقته بين النزوح والتهجير، بينما لم يعرف جيل ما بعد الحرب سوى خرابًا يُملي عليه يومياته، فولد مع صفارات الإنذار، وترعرع على أنقاض المنازل، وتعلَّم أبجديات الحياة بين أصوات الرصاص.
يحاول الآباء استعادة ذكريات يصفونها بـ"الحلوة" رغم قسوتها، كالدراسة تحت ضوء "مصابيح الكيروسين"، أو السير لساعات للوصول إلى المدرسة، لكن مقارناتهم تتحطم أمام واقع الأبناء الذين عاشوا تحت سطوة "القنابل المضيئة" بدلًا من الكهرباء، واعتادوا على كتابة الواجبات المدرسية بين انفجارات الصواريخ، بل إن بعضهم لم يَطأ قدمه مدرسةً إلا وهي محطمةٌ أو مُحوَّلة إلى ملجأ.
هكذا، تتحول المعاناة من سردية فردية إلى قضية جماعية تختزل فشلًا سياسيا وأخلاقيًا، حيث تتداخل جراح الأجيال مع إشكالية الحكم، لترسم صورة قاتمة لوطن يُناضل أبناؤه من أجل البقاء، بينما تتهاوى أحلامهم تحت وطأة حرب لم يختاروها، وسلطة لم تحمِهم.