نبض سوريا -متابعة
تطفو على السطح تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه يمتلكون إستراتيجية واضحة للتعامل مع الشرق الأوسط، أم أنهم يعتمدون على ردود أفعال عشوائية لاحتواء الأزمات المتلاحقة؟ يأتي هذا التساؤل مع تصاعد التحركات الأمريكية الأخيرة، مثل الضربات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، والتي تُوصف بالميليشيات المدعومة من إيران، رداً على هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وإسرائيل. لكن الإجابة عن هذا السؤال قد تكشف تشابكاً أوسع في سياسات واشنطن تجاه المنطقة.
يرى مراقبون في المجلس الأطلسي، وهو مركز بحثي أمريكي مؤثر، أن سياسة ترامب تبدو للبعض فوضوية، لكنها في جوهرها تسعى لتحقيق هدفين: إبرام اتفاق نووي مع إيران، وكبح نفوذها الإقليمي. وعلى هذا الأساس، يمكن تفسير الإجراءات الأمريكية في اليمن وسوريا ولبنان كجزء من محاولة لتحقيق هذه الغاية. لكن يبقى التحدي الأكبر في التوازن بين هذه الإجراءات، خاصة مع دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل في حرب غزة، ما يهدد بتقويض التحالفات الإقليمية الضرورية لمواجهة طهران.
اليمن: الضربات الأمريكية بوابة لمواجهة إيران
بدت الضربات الأمريكية على الحوثيين، التي انطلقت في منتصف مارس/آذار، محاولة لوقف هجمات الميليشيات على السفن، لكنها حملت أيضاً رسالةً مباشرةً لإيران، التي تُعتَبر الداعم الرئيسي للحوثيين. وأكد مسؤولون أمريكيون أن طهران تتحمل المسؤولية عن تصعيد الحوثيين، بل إن ترامب نفسه حذّر إيران من عواقب استمرار دعمها، بما في ذلك احتمال مواجهة ضربات عسكرية. يُعتقد أن الهدف الخفي هو دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية، خاصة بعد رفض المرشد الإيراني علي خامنئي عرض ترامب للتفاوض، وتصاعد التهديدات الحوثية مجدداً.
إيران: بين التفاوض وشبح الحرب
تعزز الضربات في اليمن تحذيرات ترامب الخفية: إذا لم تتراجع طهران عن برنامجها النووي المثير للجدل، فقد تواجه ضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية. ولتعزيز هذه الرسالة، أجرت واشنطن مناورات جوية مشتركة مع إسرائيل، شملت قاذفات قادرة على تدمير منشآت نووية تحت الأرض. كما تعاني إيران من ضغوط اقتصادية متجددة بسبب عقوبات "الضغط الأقصى"، ما يفاقم أزمتها الداخلية. لكن طهران تدرك أن موازين القوى العسكرية تغيرت بعد ضربات إسرائيلية سابقة ضد دفاعاتها الجوية، مما يزيد من هشاشة وضعها.
سوريا ولبنان: استقرار هش لقطع الطريق على طهران
بالتوازي مع التصعيد العسكري، تعمل واشنطن بخفة لتعزيز الاستقرار في سوريا ولبنان، لمنع إيران من استغلال الفوضى. ففي سوريا، ساهمت الوساطة الأمريكية في اتفاق مارس/آذار بين الحكومة السورية والأكراد، بهدف دمج الأخيرين في الجيش السوري وتقليل خطر الصراعات الداخلية التي قد تفتح الباب أمام عودة النفوذ الإيراني. أما في لبنان، فتسعى الدبلوماسية الأمريكية للحفاظ على هدنةٍ معقدةٍ بين إسرائيل وحزب الله، عبر حل النزاعات الحدودية ومنع تصاعد التوتّر الذي قد يُعيد إيران إلى الواجهة.
غزة: الحرب التي تعقّد استراتيجية ترامب
يُشكّل الدعم الأمريكي غير المشروط للحرب الإسرائيلية في غزة نقطةَ تناقضٍ صارخةً في إستراتيجية ترامب. فتصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية يهدد بتشتيت الجهود الإقليمية لمواجهة إيران، ويُعقّد العلاقات مع حلفاء مثل السعودية والإمارات، الذين يرون في استمرار الحرب عائقاً أمام أي تعاون أوسع مع إسرائيل. كما أن استمرار الصراع يحرم واشنطن من فرصة التوسط في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، خاصة مع اشتراط الرياض ربط أي اتفاق بحل القضية الفلسطينية.
المخاطر القادمة: ما الذي قد يُفشل الإستراتيجية؟
رغم محاولة فريق ترامب نسج سياسة تبدو متماسكة، إلا أن المنطقة تظل ساحةً للمفاجآت. فالحملة على الحوثيين قد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة، وإيران قد ترفض التفاوض دون رفع العقوبات، ما يضع واشنطن أمام خيارين صعبين: التصعيد العسكري أو التراجع. كما أن جهود الاستقرار في سوريا ولبنان قد تتهاوى بسهولة مع أي تصعيد إيراني، بينما قد تتحول غزة إلى مستنقعٍ يستهلك الموارد الإسرائيلية ويُضعف التحالفات الإقليمية.
في النهاية، يبدو أن نجاح إستراتيجية ترامب مرهونٌ بقدرة فريقه على المناورة بين أمواج المنطقة المتلاطمة، والتكيّف مع متغيرات قد تُعيد رسم المشهد بين ليلة وضحاها. فالتخطيط وحده لا يكفي؛ فالشرق الأوسط يفرض دائماً اختباراً للقدرة على الارتجال حين تفشل الخطط.