كيف تُصنع الفتنة لتقسيم سوريا؟
بين صوتيتي فتيحة وكيوان: ألعاب الظل

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -خاص 

ليست الكلماتُ التي تُبثُّ في الظلام مجردَ أصواتٍ عابرة، بل قنابلٌ موقوتة تُزرع في صدور السوريين، ثم تُفجِّرها أيادٍ خفيةٌ حين تشاء.


 قبل مايقارب الشهرين ، انتشرت تسجيلاتٌ نُسبت إلى "مقداد فتيحة" تُعلن مقاومةً ضد انتهاكات "أحمد الشرع" في الساحل السوري، نتج عنها مجازر اراقت دماء طائفة بشبابها وشيبها واطفالها ونساءها، وبعدها ، ظهرت تسجيلاتٌ أخرى تُصوِّر شيخًا درزيًا من آل كيوان يُهين الرسول. الفارق الزمني بين الصوتيتين ليس بريئًا، بل هو جزءٌ من مسرحيةٍ دمويةٍ تُحاك خلف الستار، حيث تُحوَّل سوريا إلى مسرحٍ لأصواتٍ مزيَّفة، تُشعل نار الفتنة، وتُقسِّم الجغرافيا قبل البشر.



بدأت الحكاية بصوتية "فتيحة" التي ربطت مقاومةَ "الشرع" بمجازر الساحل، ثم لحقتها صوتية "كيوان" التي حوّلت خطابًا درزيًا إلى شتيمةٍ دينية. الأولى تُحمِّلُ فصائلَ محليةً وزرَ التقسيم، والثانية تُحوِّلُ خلافًا فرديًا إلى حرب طائفية. بينهما، تتشابك الخيوط: كلاهما يُقدِّم عدواً وهمياً للسوريين، وكلاهما يفتح الباب أمام "شرعنة التقسيم" تحت ذرائعٍ مختلفة.  


لم تأتِ صوتية كيوان بعد فتيحة مصادفةً، بل هي امتدادٌ لسيناريو التدمير الذاتي الذي تعرفه سوريا منذ سنوات. فـ"فتيحة" زرعتْ في الأذهان فكرةَ "سوريا الغربية" ككيانٍ منفصلٍ عن عمقه، و"كيوان" حوَّل السويداء من منطقةٍ سوريةٍ إلى رمزٍ طائفي. الفعلان يتشاركان هدفًا واحدًا: تحويل التنوع السوري من نعمةٍ إلى نقمة، ومن ثراءٍ ثقافي إلى شمعةٍ تُضيء طريق التقسيم.  


هنا يبرز دور من ينتظر في الظل: "الجولاني" وزمرته، الذين حوّلوا الحرب السورية إلى سوقٍ لترويج الفوضى. هو لا يحتاج إلى معاركَ عسكريةٍ كي يربح، بل يكفيه أن تُصدِّق الجماعاتُ المتصارعةُ أن بعضها خطرٌ على بعض. صوتية فتيحة منحته ذريعةً للتدخل بالساحل وإصدار فتوى الجهاد لتباد قرى وتمحى أحياء عن خارطة الساحل السوري، وصوتية كيوان تمنحه مسوغًا لتمثيل دور "المدافع عن الهوية". لكن الحقيقة التي يخفيها هي أن التقسيم ليس سوى سلعةٍ يبيعها للجميع، بينما هو يبني إمارته فوق جثث السوريين.  


أما مجازر الساحل، فليست سوى حلقةٍ في السلسلة ذاتها. الدمُ الذي أُريق هناك لم يكن ثمنًا للصراع المحلي، بل إعلانًا ضمنيًا أن "سوريا الكاملة" لم تعد ممكنة، وأن الحل الوحيد هو قبول الكيانات المصغَّرة. لكن التاريخ لا يرحم: كلما ظنَّ السوريون أنهم تجاوزوا خط التماس الطائفي، عادت أصواتٌ مجهولةٌ تُذكِّرهم بأنهم مختلفون، وكأن الاختلاف جريمة.  



الفتنةُ لا تُباع في الأسواق، بل تُصنع في مختبراتٍ سياسية. صوتية فتيحة وكيوان ليستا مجرد تسريبات، بل أداتان لـ"هندسة الكراهية" التي يحتاجها المشروع التقسيمي. السؤال الذي يجب أن يواجهه كل سوري اليوم ليس: "من يقف خلف هذه الأصوات؟"، بل: "هل نسمح لهذه الأصوات أن تُعيدنا إلى دوامة الدم؟". فالتقسيم يبدأ حين نصدق أننا أعداء.  


 نور محمد