نبض سوريا - خاص
تقرأها الآن وقد نفضت الرماد عن ثيابك بينما يلتهم الحريقُ ما تبقى من المكان. لم تكن وحدك الناجي، لكنك الوحيد الذي حمل بعض الحياء، أما الآخرون فقد خرجوا حاملين أعواد الثقاب ومذكرات التعليمات، وما أن أنهى الأول مهمته حتى جاء الثاني ليكملها بحذافيرها، لا حبًا بالوطن بل وفاءً لوصيةٍ تلقاها في مقاعد لندن الهادئة، حيث تُكتب نهايات الأوطان على ورق ناعم لا تشوبه دماءُ أطفالنا.
بشار الأسد لم يكن غبيًا حين فرّ، كان يعلم أن النار ستبقى مشتعلة من بعده، لأن من سيأتي لن يحتاج أن يبدأ من جديد، فالمخطط مرسوم بعناية والمهمة واضحة: بلد بلا ملامح، بلا صوت، بلا روح.
أن تصبح الأرض ملفًا استثماريًا تتقاسمه الدول دائمة العضوية، كوجبة باردة على طاولة سوداء. لم يترك خلفه سوى الرماد، والخرائط المُقسّمة، ووعودًا معلّبة بالمساعدات والتسويات.
أما الجولاني، فلم يكن أدهى منه، لكنه كان ابن بيئة أخرى. ابن الزنازين واللعب بالفوضى، تربى في حضن السلاح لا السياسة، لذلك فضيحته أوضح، وسقوطه أسرع، لأنه لم يتقن لعبة الأقنعة بقدر ما أتقنها ابن القصر. ومع ذلك، فقد نجح الاثنان، بطريقتين مختلفتين، في إيصال البلاد إلى الهاوية.
والزمالة ليست أن تجلس بجانبه، بل أن تجلس في مكانه بعد حين، وتردد ما قاله ذات يوم معلم بريطاني يعرف تمامًا من أين تُؤكل أوطاننا. المنهج واحد، حتى وإن اختلفت الأسماء واليافطات، الدرس دائمًا يبدأ بعنوان: كيف تسقط دولةٌ دون أن يُطلق رصاصة واحدة من الخارج؟
نور محمد