محاولة كسر الجبلين: بين صلف السلطة وذاكرة الحجر

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - خاص

في منطقتين تشهدان على تاريخٍ من النضال ضد الاحتلال، ومناعةً في وجه الظلم، يحاول نظامٌ مستبدٌّ اليوم أن يكسِر إرادةَ جبلين عريقين: ساحلٌ عَرف كيف يرفض الخنوع، وجبلٌ درزيٌّ اختزلَ قروناً من الكبرياء.

 فما بين شهري آذار ونيسان، سُجِّلت صفحاتٌ سوداء من الدماء، كأنَّ الحاكم الجديد، القادم من دهاليز "القاعدة" وأحلام القبيلة الجاهلية، يظنُّ أن هَوجائيته ستطمس تاريخاً لا يُكسَر بقرار، ولا يُسكَت بسلاح.


فالرجل، الذي لا يعرف للعدالة معنىً سوى القمع، يحوِّلُ الهواء إلى رصاص، والصراخ إلى جثث، وكأنَّ دماء الساحل السوري لم تكن كافيةً لارتواء غابة السلطة، حتى امتدت يدُ القتل إلى جبل الدروز، لِتُلاقي الدماءُ دماءً، وتُعلن أن الجبال وإن لم تلتقِ جسداً، فإنها تلتقي روحاً. فالمَثلُ القديم "جبل لجبل ما بيتلاقوا، بس إنسان لإنسان بيلتقوا" يتحول هنا إلى نبوءةٍ مُرّة: فالتقاء الدماء ليس لقاءً للسلام، بل شهادةٌ على وحشيةٍ تَعتقد أن بإمكانها إسكات الحقيقة.


لكن هل يُمكن لصاحب السوابق السجنية، الذي يحكم بقبضةٍ مستوردةٍ من عتمة إدلب، أن يمحوَ آثار الجرائم من ذاكرة الحجارة؟ فحجارة الساحل التي شهدت على حضاراتٍ غابرة، وأرصفة السويداء التي سارت عليها أقدام الثوار، لن تكون يوماً شاهدَ زورٍ على جرائمه. فالشعوب تُخلَّدُ بذاكرة الأرض، لا بخطاباتِ المُحتلّين. والجبَلان، وإن ناءيا تحت وطأة القمع، يَحمِلان في صدورهما بصمات الأجداد الذين رفضوا أن ينحنوا إلا للحرية.


السؤال الأهم: هل يظنُّ الحاكم أن العالم سيُغمض عينيه عن مجازره لمجرّد أنها تُرتَكبُ بعيداً عن كاميرات الإعلام؟ وهل يَعتقد أن دماء الأبرياء ستتبخَّرُ بمجرد جفافها على الأرض؟ التاريخ يُعلّمنا أن الجبال لا تُهزَم، بل تُصبح رمزاً للصمود. أما الطغاة، فمصيرهم إلى الزوال، حتى لو حاولوا تسويد الشمس بسيفهم. فذاكرة الحجر أقوى من صلف السلطة، وشعبٌ عَرف معنى الكرامة لا ينسى.

نور محمد