منابر سوريا في قبضة المتشددين: مشروع لإعادة صياغة الدين والمجتمع

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - خاص

  في حادثة جديدة تعكس واقع التحول الفكري الخطير الذي تشهده سوريا، تعرض الشيخ محمد خير الشعّال، أحد أبرز علماء دمشق المعروفين باعتدالهم، لاعتداء لفظي وطرد من أحد مساجد بلدة قارة بريف دمشق على يد متشددين بذريعة انتمائه للمذهب الأشعري، وهو ما لم يكن حادثا عابرا بقدر ما كان رسالة سياسية موجهة لمن بقي من الأصوات الدينية المعتدلة في البلاد.


منذ تسلم أبو محمدالجولاني حكم البلاد التي زعم تحريرها برزت محاولات حثيثة لإعادة صياغة الهوية الدينية في سوريا بما يتوافق مع منهج فكري أقرب إلى السلفية السياسية، حيث سمح لعدد من الدعاة المتشددين بتولي منابر حساسة، في وقت جرى فيه تهميش وإقصاء العلماء التقليديين الذين يمثلون المدرسة الدمشقية المعروفة بوسطيتها واعتدالها.


وبالنظر الى كل ما يجري يتكشف أنه ليس مجرد اختلاف ديني، بل مشروع منظم لإعادة بناء المجتمع السوري على أسس عقائدية متشددة، تشرعن الإقصاء والتكفير تحت غطاء "تصحيح المفاهيم الدينية"، فمن تضمهم الإدارة الجديدة من متشددين وشيوخ ومتطرفين يسعون لفرض نموذج ديني واحد يتنافى مع التعدد الذي شكل جوهر الهوية السورية عبر قرون، بالاستناد إلى فكر ابن تيمية وتفسيرات ضيقة للنصوص الدينية.


وبحسب مصادر دينية في دمشق، فإن الأشهر الأخيرة شهدت ضغوطا مباشرة على الأئمة والخطباء لتغيير مضمون خطبهم بما يتوافق مع الرؤية الجديدة للحكومة، إلى جانب فرض مناهج تعليمية جديدة في المدارس الشرعية، تهمش الفكر الأشعري والصوفي وتقدم بدائل ذات طابع متشدد، وهو ما يشكل خطرا وجوديا، إذ يحول الدين من عامل توحيد إلى أداة تفكيك ويهدد ما تبقى من النسيج الاجتماعي السوري.


حادثة الشيخ الشعّال جاءت لتؤكد أن الاعتدال بات تهمة، وأن الهوية السورية تواجه اليوم أخطر مراحلها، ليس فقط بفعل السلاح أو الانقسام السياسي، بل بسبب محاولات ممنهجة لتغيير دين الناس ومفاهيمهم، واستبدال التسامح الدمشقي الأصيل بخطاب يزرع الكراهية والخوف.


ويبقى السؤال المطروح:

هل تسعى الحكومة الانتقالية التي يتزعمها احمد الشرع فعلاً إلى بناء دولة جديدة، أم أنها تزرع بذور دولة دينية متشددة ستكون أخطر على السوريين من كل الحروب التي عاشوها؟