نبض سوريا - متابعة
كشف تحقيق صحفي موسع نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن وقوع عمليات اختطاف ممنهجة تستهدف نساء من الطائفة العلوية في سوريا، يتم خلال الاتجار بهن وبيعهن كـ"سبايا" على يد شبكات متاجرة، وسط مؤشرات على تواطؤ من سلطات الأمر الواقع.
وأوضح التحقيق الذي ترجمته "إياد العبد الله" أن هذه الشبكات الإجرامية تتصرف أحياناً تحت غطاء أجهزة أمنية، مستغلة حالة الانفلات الأمني والاستهداف الطائفي الذي تشهده مناطق سيطرة فصائل معارضة متشددة، فيما تتعمد السلطات المحلية تجاهل شكاوى الأهالي أو حتى ممارسة الضغط عليهم لقبول الأمر الواقع.
وسلط التحقيق الضوء على معاناة مأساوية لعائلات علوية، حيث تم توثيق اختفاء ما يقرب من تسعين امرأة حتى الآن، بينما يشير نشطاء إلى أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، في ظل حملة انتقامية طائفية شاملة تلت سقوط نظام بشار الأسد.
قصة نور: من المدرسة إلى سوق "السبايا"
وتجسد قضاء الفتاة "نور" (اسم مستعار) البالغة من العمر 15 ربيعاً، حجم المأساة الإنسانية، حيث اختفت في الخامس والعشرين من آذار الماضي بعد خروجها لإجراء مكالمة هاتفية، لتبدأ رحلة عذاب أسرتها التي تلقّت تهديدات مرفقة بصورتها وهي مكبلة الأيدي، وطالب الخاطفون بفدية ضخمة بلغت 100 ألف دولار.
وكشفت التحقيقات أن عائلة نور، رغم عجزها عن تلبية المطالب، حاولت التفاوض، لترد الشبكة برسائل تهديد بالغة القسوة، مدعية انتماءها للجهاز الأمني الجديد ومحتمية به، في وقت زعم فيه مسؤول أمني للعائلة أن الفتاة تزوجت طواعية في حلب، وهو ما نفته العائلة باعتبارها قاصراً.
تواطؤ مريب وإفلات من العقاب
وكشف التحقيق عن نمط متكرر من التواطؤ، حيث أفادت مصادر بأن المسؤولين الأمنيين يمارسون ابتزاز العائلات مالياً مقابل شطب أسماء من قوائم المطلوبين، بينما تتعامل الأجهزة الرسمية بشبه لامبالاة مع شكاوى اختطاف النساء، بل وتضغط على الأهالي للقبول بخرجة "الزواج" لإغلاق الملفات.
جرائم منظمة وعنف طائفي ممنهج
وتتجاوز عمليات الاختطاف مجرد الابتزاز المادي، حيث كشف التحقيق عن ممارسات وحشية، منها إجبار نساء متزوجات على الطلاق تحت تهديد السلاح، واحتجاز المخطوفات في سجون سرية، وتعريضهن لتعذيب وحشي، كما في حالة "وردة" التي حُجِزت مع طفلها الرضيع وتعرضت لصنوف من التعذيب النفسي والجسدي.
صمت قسري وتهديد بالتصفية
وأشار التحقيق إلى فرض الخاطفين حالة من الصمت القسري على العائلات، حتى تلك التي تمكنت من دفع الفدية واستعادة بناتها، حيث تتعرض للتهديد بالقتل أو اختطاف فتيات أخريات في حال الإفصاح عن التفاصيل، كما تعرض صحفيون ونشطاء للترهيب لمجرد الاقتراب من الملف.
تحرك قضائي دولي وشبهات "جرائم ضد الإنسانية"
وفي محاولة لكسر جدار الصمت، أحال نشطاء سوريون عشرات الحالات للجنة الأمم المتحدة المعنية بالمفقودين، بينما تقدم "التجمع العلوي الفرنسي" بشكوى رسمية إلى محكمة باريس المختصة بجرائم ضد الإنسانية، كما أبلغ المحكمة الجنائية الدولية.
وحذرت الشكوى من أن هذه الجريمات المنظمة، التي تشمل الاختطاف والقتل على الهوية، قد ترتقي إلى مستوى "جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية"، فيما وصف محامي التجمع الأسلوب بأنه "يشابه بشكل مرعب ما تعرضت له النساء الإيزيديات".
هكذا، يخرج التحقيق بنتيجة مفادها أن النساء العلويات في سوريا يواجهن مصيراً مأساوياً قد يضاهي ما عانته الإيزيديات، وسط صمت دولي وتواطؤ محلي، في مشهد يكرس مأساة إنسانية جديدة تنتظر تحركاً عاجلاً.