​"القتل الطائفي في سوريا: طريق مسدود نحو الهاوية"

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - مقال

لا شك أن الوضع الراهن في سوريا لن يدوم إلى ما لا نهاية، فسياسات الترهيب المُمنهجة والإرهاب المُتعمَّد محكوم عليها بالفشل، إذ لا يُعقل أن تُبنى الأوطان على أساس الخوف، أو أن تحلَّ الديكتاتورية والتطرف مكان العدل والاستقرار. كما أن سياسة "إرضاء طائفة بإقصاء أخرى" لن تُنتج سوى وطنًا ممزقًا إلى كيانات هشة، تتصارع تحت رايات التفرقة والعنف، بدلًا من الانصهار في هوية وطنية واحدة.


إن أيَّ محاولة لبناء دولة على أفكار انتقامية أو أسس طائفية هي بمثابة بناء قصر على رمال متحركة؛ فمهما بلغت قوة جدرانه، فإن زلزالًا صغيرًا كفيلٌ بهدمه. والأخطر من ذلك أن الاعتماد على القمع كأداة أمنية سيُعيد إنتاج حلقة مظلمة من العنف، تُعيد البلاد إلى مربع الصفر، بل ربما إلى حُطامٍ أكثرَ بؤسًا.


ما تشهده سوريا اليوم من جرائم قتل فردية وجماعية بحق أبناء الطائفة العلوية يتطلب تحرّكًا عاجلًا وفعّالًا من القيادات العسكرية إن كانت جادّةً في بناء دولةٍ قائمةٍ على القانون. فغياب العدالة اليوم يُنبئ بمستقبلٍ غامض، حيث لن تُجدي مقولة "من سرّه زمن ساءته أزمان" في إنقاذ نظامٍ يرفض الاعتراف بجنون سياساته، ويُصرُّ على تغذية غرائز السلطة والثروة التي تُعمي بصيرته عن كارثةٍ تلوح في الأفق.


بعد المجازر الممنهجة في ريفي حمص وحماه، والعمليات الانتقامية العشوائية ضد المدنيين الفقراء، تستمر جرائم القتل الفردي تحت سمع السلطات وبصرها، وكأنها محاولةٌ لتجنب وصفها "بانتهاكات إنسانية" فادحة. وتشير تقارير موثوقة إلى تورط فصائل عسكرية – تُدار باسم قائدها أحمد الشرع – في تنفيذ هذه الجرائم، قبل أن تلوذ بالإنكار وادعاء الملاحقة القضائية!


إن استمرار هذه السياسات من قبل الفصائل المسيطرة لن يؤدي إلا إلى تفجير حرب طائفية شاملة، تجتث ما تبقى من نسيج المجتمع، وتفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية قد تتحول سوريا بموجبها إلى ساحةٍ لنزاعٍ عالميٍ يصعب احتواؤه.


أما على الصعيد الإنساني، فإن الشعب السوري – والعلويين بشكل خاص – يواجهون مجاعةً مُحدقة، تفاقمت بسبب سياسات الإقصاء المُمنهجة من الوظائف العامة، وتدهور الاقتصاد. وإذا كانت السلطة تظن أن بإمكانها كبح جماح غضب الجياع، أو وقف تداعيات انهيار المعيشة، فهي واهمةٌ بحلم "استقرارٍ" لن يتحقق إلا بالعدل وتوزيع الموارد.

ختامًا، فإن فرض رؤية دينية أو مذهبية أحادية على مجتمعٍ تعدديٍّ كسوريا هو وصفةٌ للفوضى، لا للاستقرار. ففي زمنٍ يتربص فيه الأعداء بالدولة، ويتحين الطامعون فرصةَ السقوط، تصبح غريزة السلطة وقودًا لتدمير الذات قبل الآخر. فهل من مُنصِتٍ لصوت العقل قبل فوات الأوان؟