نبض سوريا - خاص
تُشكِّل سوريا، بموقعها الاستراتيجي الفريد، جسراً جغرافياً يربط الشرق بالغرب، ما جعلها على مر التاريخ مسرحاً للتفاعلات الإقليمية والدولية، لا سيّما مع امتداد حدودها البرية مع أربع دولٍ هي تركيا والأردن ولبنان والعراق. ورغم أن هذه المعابر كانت تاريخياً قنواتٍ للتبادل التجاري والثقافي، إلا أنها تحوّلت في ظل الأزمات الأخيرة إلى بؤرٍ للصراعات الجيوسياسية، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على رسم خريطة النفوذ.
مع لبنان: حدودٌ تحت وطأة التهديدات
تُمثل المعابر اللبنانية - السورية، مثل "المصنع" و"جوسية"، شرايين حيوية للتواصل بين دمشق وبيروت، لكنّ استمرار التهديدات الأمنية، لا سيّما مع القصف الإسرائيلي المُتكرر، حوّلها إلى نقاطٍ شبه مُتعطلة، مما زاد من حدّة الأزمتين الاقتصادية والأمنية في البلدين.
الأردن والعراق: إغلاقاتٌ تَجرَحُ الاستقرار
أدّى تصاعُد العنف في سوريا إلى إغلاق معابِرَ حيوية مثل "جابر" و"الرمثا" مع الأردن، وهو ما انعكس سلباً على الأمن القومي الأردني. أما في العراق، فتشهد معابر مثل "البوكمال" و"الرّبيّة" إغلاقات مُستمرة وسط صراعات محلية وتخوف اردني وعراقي من الإسلامييون الجدد ، ما يُعقِّد مشهد التعافي في المناطق الحدودية.
الجنوب: ورقة إسرائيل الاستراتيجية
تحتفظ إسرائيل بسيطرةٍ مُطلقة على هضبة الجولان المحتلة،مع بناء قواعد مركزية بالجنوب السوري وتوغلات متفرقة بين درعا والقنيطرة ، إذ توظّف وجودها هناك كورقة ضغطٍ في المعادلة الإقليمية، عبر دعم جماعات معارضة ولاعبين أكراد، في محاولة لتعميق الانقسامات الداخلية السورية. كما تتبنى سياساتٍ قائمة على نظريات المؤامرة، عبر استثمار خطاب "التهديد الوجودي" لتحقيق أهدافها تحت غطاء سياسة الردع.
تركيا: تناقضات السياسة بين الطموح والتردُّد
تظلّ تركيا اللاعب الأكثر تعقيداً في الملف السوري؛ فمن جهة، تُحاول فرض هيمنتها على الفصائل المسلحة شمال سوريا عبر إنشاء "منطقة عازلة"، وتارةً تلوح بخطابٍ أمني يُبرِّر التدخل بحماية الحدود. لكنّ سياسات أنقرة تبدو مُتذبذبة بين مُناوراتٍ مع روسيا وصفقاتٍ مع واشنطن، ما يُضعف ثقة الحلفاء ويُعمِّق أزمتها الإستراتيجية.
وإذا كان الرئيس أردوغان يسعى لتحقيق مكاسب قصيرة المدى عبر هذه الخطوات، فإنّ تناقضاته الواضحة – بين السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتقارب متزايد مع تحالف "بريكس" المناهض للغرب – تُظهر سياسةً خارجيةً عاجزة عن التوفيق بين أهدافها، كمن يُحاول المشي في اتجاهين مُتعاكسين. هكذا، تتحوّل أنقرة إلى نموذجٍ لـ "اللّاعب العالق" في لعبةٍ دوليةٍ معقّدة، حيث يُهدِّد كل خيارٍ بتبعاتٍ قد لا تحمد عقباها.