من باريس إلى دمشق: حينما تتصارع الإرادات الدولية

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  مقال

نقلاً عن واشنطن بوست


وسط ضجيج التصريحات والمؤتمرات، وفيما تتشابك المصالح وتتقاطع الحسابات، تتحرك القوى الدولية على رقعة سوريا وكأنها غنيمة يتصارع عليها الجميع. لكن السؤال الأهم: هل فعلاً تمتلك دمشق قرارها؟ أم أن المستقبل يُكتب في عواصم أخرى؟


انعقاد مؤتمر باريس الأخير لم يكن مجرد اجتماع عابر، بل كان رسالة واضحة: الغرب لن يسمح بفراغٍ في سوريا، لكنه في الوقت ذاته يهمس بصمت، تاركًا الأبواب مواربة أمام مفاجآت قد تُغيّر المعادلة. ورغم أن الولايات المتحدة شاركت كمراقب، إلا أن غياب توقيعها على البيان الختامي يعكس موقفًا رماديًا قد يُكلفها الكثير.


الغائبون عن المؤتمر—روسيا، إيران، والصين—ليسوا مجرد متفرجين، بل هم اللاعبون الذين قد يقلبون الطاولة في أي لحظة. وبينما يُحاول الغرب رسم ملامح سوريا الجديدة، تعمل طهران وموسكو في الظل، تُعيدان ترتيب أوراقهما، وتتحينان الفرصة لاستعادة النفوذ بأي ثمن.


اللعبة لم تنتهِ بعد... لكن الوقت ينفد!

دمشق عقدت مؤتمرها الحواري الوطني بسرعة تُثير الريبة، وكأنها تُريد طي الصفحة قبل أن تُفتح ملفات لا قِبَل لها بها. كيف يمكن لمؤتمر أُعدّ في أسبوع وعُقد قبل رمضان مباشرة أن يكون بداية حقيقية لمستقبل سوريا؟ الحقيقة أن هذا الاستعجال قد يُولّد احتقانات جديدة، وربما يُؤسس لمرحلة من الاضطراب أكثر مما يُرسي دعائم الاستقرار.


في واشنطن، تبدو الأمور أكثر غموضًا. رحيل القوات الأميركية عن سوريا مسألة وقت، لكن ما البديل؟ هل تترك الولايات المتحدة الساحة خاوية فتتلقفها موسكو وطهران؟ أم أنها ستُعيد رسم وجودها من خلال حلفاء أوروبيين يتقدمون للواجهة؟


الاقتراحات تتوالى: تركيا تريد قيادة تحالف جديد لمكافحة الإرهاب، لكن لا أحد يثق بقدرتها على ذلك. الأوروبيون، بدورهم، يُراهنون على دعمٍ مشروط للقيادة الانتقالية في دمشق، لكن دون ضمانات واضحة.


الخيارات تضيق... فمن يجرؤ على الحسم؟

ما لم تحسمه الطاولات الدبلوماسية، قد تحسمه معطيات الواقع:


*ملف الأكراد:* هل ستقبل دمشق بدمج قوات سوريا الديمقراطية في جيشها؟ وإن كان الأمر كذلك، فما مصير النفط والحدود؟ وكيف ستُقنع تركيا بأن هذا الاندماج لا يُشكل تهديدًا لها؟

*الوجود الإيراني والروسي:* هل تستطيع دمشق التخلص من إرث الماضي والانعتاق من قبضة طهران وموسكو، أم أنها ستبقى رهينة تفاهمات لا تملك فيها سوى هامشٍ ضيق للمناورة؟

*الإرهاب العابر للحدود:* لا يزال شبح داعش يلوح في الأفق، والأعين تترقب إن كانت دمشق ستتعاون مع الغرب في القضاء عليه، أم ستُبقيه ورقة تفاوضية في يدها.

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة. فإما أن تُعيد سوريا رسم موقعها على الخارطة الدولية، أو تتحول إلى ساحة جديدة لحروب بالوكالة تُعيد عقارب الساعة إلى الوراء.


وفي لعبة الأمم، لا مكان للضعفاء... فمن سيكتب الفصل الأخير في المشهد السوري؟