نبض سوريا - متابعة
ما إن تشرق شمس طموح حتى تغيب في بحر الأزمات. هكذا تبدو مسيرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حمل على كتفيه أحلام إحياء أمجاد السلطنة العثمانية، ليُفاجأ بأن طريقه انتهى إلى متاهات الفوضى والعزلة، حيث تتراكم الاتهامات ضد أنقرة بتغذية الإرهاب، ونهب موارد الجيران، واختراق حدود الدول، وتمزيق نسيج العلاقات الدولية، حتى مع أقرب حلفائها.
سوريا.. بوابة الدم وخراب الذاكرة
منذ اندلاع الأزمة السورية، حوّل أردوغان الحدود التركية إلى جسر مفتوح لعبور المقاتلين الأجانب والأسلحة نحو الأراضي السورية، في خطوة وُصفت بأنها "التنفيذ العملي" لحلم التوسع العثماني.
لم تكن تركيا مجرد متفرج، بل شريكاً فاعلاً في تحويل سوريا إلى ساحة دمار، عبر دعم جماعات مسلحة، ونهب الموارد الصناعية، وتهريب معدات المصانع من المدن السورية المحتلة، مثل حلب، التي تحولت درّتها الصناعية إلى أطلال بعد سنوات من الحرب.
لم يتوقف الأمر عند تخريب الاقتصاد، بل امتد إلى محاولات فرض الوصاية السياسية، عبر تعيين "ولاة" أتراك في مناطق كعفرين، وتهجير سكانها الأصليين، واستبدالهم بميليشيات موالية.
ليبيا.. بوابة إفريقيا وحلم الثروات
لم تكن سوريا سوى محطة في رحلة التوسع التركي. فمع العام 2015، نقل أردوغان أحلامه إلى ليبيا، مستغلاً فراغ السلطة بعد سقوط نظام القذافي، تحت ذريعة دعم "الحكومة الشرعية"، أنزلت أنقرة آلاف المقاتلين السوريين، ووضعت يدها على موارد النفط الليبي، في محاولة لتحويل البلاد إلى قاعدة انطلاق نحو إفريقيا وأوروبا، مستفيدةً من موقعها الجيوسياسي. لكن الحلم اصطدم بجدار الواقع، حيث تحولت ليبيا إلى ساحة صراع دولي، تتصارع فيها الأجندات المتناقضة.
صفر أصدقاء.. سياسة العداء التي لا تنتهي
تحول شعار "صفر مشاكل" الذي رفعه أردوغان في بداية حكمه إلى "صفر أصدقاء"، بعد سلسلة من الاستفزازات غير المبررة. فبدلاً من طي صفحات الماضي، أعاد الرئيس التركي فتح جراح التاريخ مع دول مثل فرنسا، حين ذكرها بـ"جرائم الاستعمار" في الجزائر، أو مع صربيا بتذكيرها بمجازر البوسنة. حتى الحلف التقليدي مع واشنطن اهتز بقوة بعد صفقة صواريخ "إس-400" الروسية، التي دفعت الولايات المتحدة إلى تهديد تركيا بعقوبات قد تُدمر اقتصادها الهش.
اليوم، تتربص تركيا على حافة الهاوية. فبينما تتقلص شعبيتها داخلياً تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، وتتصاعد أصوات المعارضة العلمانية، يبدو أن أحلام الإمبراطورية أضحت عبئاً ثقيلاً، يحوّل البلد الجسر بين القارات إلى جزيرة معزولة، تائهة في بحر من الصراعات التي صنعتها بيدها.