نبض سوريا - متابعة
بات السؤال "وين كنت من 14 سنة؟" عنواناً بارزاً في النقاشات السياسية السورية الراهنة، يُستخدم كأداة لإسكات أي نقد موجّه للحكومة الجديدة، بغض النظر عن مضمونه أو مصداقيته.
تحوّل السؤال إلى تعويذة تُلقى لإنهاء الحوارات قبل أن تبدأ، بدلاً من كونه استفساراً بريئاً، في محاولة لفرض استسلام الطرف الآخر وإسقاط حقّه في التعبير.
لا يهدف السؤال إلى معرفة الموقع الجغرافي أو الظروف الشخصية للمُخاطَب خلال السنوات الماضية، بل يُستخدم كحُكم مسبق لتهميش آراء من يُعتبرون "غير مؤهّلين" للنقد وفق معايير يفرضها السائل. يُوجّه هذا الاستفهام حتى إلى شخصيات معارضة بارزة عانت من قمع النظام السابق، مثل الكاتبة روزا ياسين حسن، التي كرّست كتاباتها لفضح جرائم النظام، أو الباحث ياسين حاج صالح، الذي قضى أكثر من 15 عاماً في السجون السورية قبل أن يُواجه الاتهام ذاته لمجرد نقده سياسات جديدة.
تزامن انتشار السؤال مع عبارات مشابهة مثل "من يحرّر يقرّر"، في إطار محاولات لخلق واقع سياسي يُعيد إنتاج آليات القمع القديمة بأدوات مختلفة. اللافت أن بعض من يطرحون السؤال اليوم هم ممن لم يولدوا عند بداية الثورة، أو من اختلقوا سرديات بطولية لتعزيز مواقفهم، بينما يواجه ناشطون قدّموا تضحيات جسام اتهامات بـ"عدم الكفاية" لمجرّد اختلاف آرائهم.
يتجاوز مفهوم التضحية في السياق السوري حمل السلاح أو المشاركة المباشرة في الاحتجاجات، ليشمل كل من عانى الظلم أو سعى للتغيير عبر الكتابة أو النشاط الإعلامي أو حتى الصمت القسري خوفاً على الأهل. رغم ذلك، يُختزل هذا المفهوم لدى البعض في معيار ضيّق، يُحوّل التضحية إلى أداة للهيمنة على الرواية السياسية، بدلاً من اعتبارها إرثاً جمعياً تستحقه كل الأصوات دون استثناء.
بهذا، يُعيد السؤال إنتاج ثقافة الإقصاء التي سادت لعقود، لكن تحت شعارات جديدة، ليُذكّر بأن تغيير الوجوه لا يعني بالضرورة تغيير الآليات، ما يدفع إلى تساؤل آخر: هل تُختزل الثورة في امتياز انتقاد البعض، وإسكات البعض الآخر؟