نبض سوريا - مقال
عارف الشعال
ما زال الغموض والبطء يكتنفان سير العملية الدستورية في البلاد، رغم الآمال التي رافقت مؤتمر الحوار الوطني بوصفه منصةً لإرساء خارطة طريق واضحة تعالج الفراغ الدستوري القائم. بدلاً من ذلك، ظلت مخرجات المؤتمر عامةً ومفتوحةً على تأويلات متعددة، دون تحديد آليات أو ضوابط عملية لضمان الانتقال إلى مرحلة دستورية مستقرة.
فيما يتعلق بالإعلان الدستوري، لم يُصدر المؤتمر وثيقةً محددةً، واكتفى بدعوة غير ملزمة إلى "الإسراع بإصدار إعلان دستوري يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية"، دون تحديد مضامين جوهرية كضمان الحقوق والحريات الأساسية المنبثقة عن المواثيق الدولية، أو توضيح آلية توزيع الصلاحيات بين رئيس البلاد ومجلس الوزراء. كما أغفل المؤتمر تحديد مهلة زمنية محددة لإصدار هذا الإعلان، مما يترك الباب مفتوحاً أمام تأخيرات قد تطول.
أما بشأن المجلس التشريعي، فقد طالب المؤتمر بتشكيله وفق معايير "الكفاءة والتمثيل العادل"، لكنه لم يحدد ما يعنيه بالتمثيل العادل، سواء من حيث المناطق الجغرافية أو المكونات المجتمعية أو الأجسام السياسية. كما لم يُلزم الجهات المعنية بجدولة زمنية لإنهاء الفراغ التشريعي الذي تعانيه مؤسسات الدولة، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه الدعوة في ظل غياب آليات تنفيذ واضحة.
وفي السياق ذاته، أقر المؤتمر تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم، مع التركيز على مضامين عامة مثل تحقيق التوازن بين السلطات وترسيخ قيم العدالة والحرية. لكن القرار أغفل تحديد معايير اختيار أعضاء اللجنة وضمان تمثيلٍ متوازن للفئات المختلفة، كما لم يوضح الجهة المخوَّلة باعتماد المسودة النهائية، سواء عبر استفتاء شعبي أو المجلس التشريعي أو غير ذلك. وهو ما يضع علامات استفهام حول مصداقية النتائج وقدرتها على تجاوز الأزمات الحالية.
بهذا السياق، تبدو العملية الدستورية عالقةً في فضاءٍ من العموميات والوعود الفضفاضة، مما يعزز مخاوفاً من استمرار التعطيل في بناء مؤسسات الدولة، وسط غياب رؤيةٍ واضحةٍ لإنهاء المرحلة الانتقالية الهشة.